%D9%82%D8%A8%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%92%20-%20%D8%A5%D8%B1%D8%A7%D9%82%D8%A9%20%D9%85%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%87 - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

قبل الغروبْ
"إراقة ماء الوَجه"
وهيب أيوب - 05\04\2010
هي المرّة الثالثة أو يزيد، أكتبُ بهذا الموضوع، وقد تكون الأخيرة قبل "الغروب"، إضافة لكل من سبقوني ولحقوني فيه؛ منهم لجنة أولياء الأمور وغيرهم مِمَن تعرّضوا لأزمة إدارة ثانوية مجدل شمس وإعداديتها، ومديرهما السيد محمد خاطر.
حاولت هنا أن استغرق قليلاً في معنى، أن يُراق ماء وجه الإنسان، أيّ إنسان، وأن يستطيع المرء أن يُمعن في تدمير ذاته - فيما يُشبه الانتحار-وأن يستدخِلَ في وجدانه إصراراً وعناداً بهذه الطريقة التي تدعونا للتفكّر والتمعّن بالدوافع النفسية والذاتية التي تودي بالمرءِ إلى حافة الهاوية والتهلكة، أياً يكن نوع هذه التهلكة.
في محاولتي لاستعادة معنى المقولة "إراقة ماء الوجه"، أرهقتني الألفاظ والمعاني والرموز التي تحمل في طيّاتها مغازٍ ودلالات، تسحق النفس وتُضرِم فيها ناراً لا تنطفئ. هذا للذين يتألمون من الجرحِ، وليس لأصحاب "ما لجُرحٍ بميّتٍ إيلامُ"!
جاء في كتاب "تاج العروس من جواهر القاموس" لصاحبهِ المرتضى الزُبيدي، أنه: "يُطلقُ الوجهُ على الذاتِ، لأنه أشرف الأعضاء وموضع الحواس"؛ العينان التي بهما نُبصِر، والأنف الذي به نتنفّس ونحيا، والفم الذي به نتكلّم ونُعبّر، والأذنان اللتان بهما نسمع ونستوعب ما يُقال، ولحكمة الطبيعة في خلقِها، كانت لنا أذنان وفم واحد. فلا تفعلّن يا صاحبي بقول المثل: "أذنٌ من طين والأُخرى من عجين"!
لهذا يقول الناس، هذا وجهٌ بشوش وذاك وجه سَمِحْ والآخر وجهٌ كالح، ووجه خجول ووجه معطاء ووجه مُبارك. وإذا أردت أن تذمّ شخصاً ما، فلا أكثر من أن تقول له: "قبّح الله وجهك"، أو أردت أن تُرغِمه على شيء ما تقول: "بالرغمِ عن أنفك"، أو ترغب بتحقيق خدمة ما لشخص فتقول: "على عيني" وهكذا....
باختصار، الوجه تجتمع فيه وتُختزل شخصية الإنسان ورموزها، وإراقة ماء وجه الإنسان، يعني كل ذلك مُجتَمِعاً.
حاولتُ هنا تلخيص بعض المعاني فقط مِما جاء عن إراقة ماء الوجه، ولكني حين حويتها جميعاً، قُلتُ في نفسي، لو سُكبِت تلك الألفاظ والرموز والمعاني على حَجَرٍ يبوس لتلاشى واضمحل وتناهى كما يتناهى هيكل الإنسان إذا صببت عليه الأسيِد، ولفقد خاصيته بالمعنى الفلسفي الرمزي العرفاني، اللطيف والكثيف والهيولي.
سُئِلَ الأديب العبّاسي المقتول ابن المُقفّع: مَنْ أدّبَك؟ قال: نفسي، قيلَ له، كيف؟
قال: كُنتُ إذا رأيتُ سيّئاً في غيري نفيته، وحسناً أتيتهُ.
فكيف بعد ذلك يغامر المرء بتلاشيه وخسرانه لذاته ونفسه، بإراقة ماء وجههِ عن آخره؟!
كل ما جرى منذ سنوات وحتى الآن، للخروج من مأزق كرسي الإدارة المُمثّلة بالسيد محمد خاطر، لم يُسفِر إلا عن مزيدِ من التعنّت والعناد والإصرار للسير حتى النهاية، فيما يعتبره مؤامرة كونية ضدّه، هذا الوهم الذي يستشري في نفس الإنسان ويفقده صوابه وعقلانيته، أو حتى خجله من أبناء بلدته وطلاّبه والمعلّمين المُستقيلين وغير المُستقيلين، شيء يدعو للاستهجان والاشمئزاز في أدنى حدود التعبير.
لقد بلغ الأمر أقصاه، وما عادت تُجدي المشورة والنصيحة والرأي، لمَن يعتبر نفسه صاحب الحقيقة الأولى والأخيرة والمُطلقة، وما عداه حتى من الأصدقاء والأقرباء، فلا قيمة لآرائهم ولا لمشورتهم أو نصحاهم، فما السبيل للخروج من النفق المُظلِم قبل أن يقع مزيد من الأضرار والانتهاكات، سيّما على الصعيد التربوي، لأجيالنا وطلاّبنا ومعلمينا ومجتمعنا كافة؟؟
سألني أحدهم في مداخلة على مقالي السابق "القشة التي ستقصم ظهر المدير"، لماذا لا أُعدّد الأخطاء التي يرتكبها المدير السيد محمد خاطر والتي بسببها نطالبه بالاستقالة، فأجبته أن ذلك من اختصاص لجنة أولياء الأمور، مع أنني أعرفها ومطّلع عليها، وأضيف له اليوم أن تعدادها يحتاج لمصنّفٍ كامل لا يتّسعه مقالي هذا ولا السابق، ولكني فقط أريد الآن توجيه سؤالٍ واحدٍ للسيد محمد خاطر: لماذا تم ترحيلك من "تل حاي" بعد تقديم شكوى وعريضة ضدك من قِبَل الطلاب هناك، وهل طلاّبنا هنا ومجدل شمس هم أناس من الدرجة الثانية حتى يرسلوك لنا لتتأبّط الثانوية والإعدادية دون فكاك؟؟
لا يجدرُ بالمرء تحت أي ذريعة ولأي سببٍ من الأسباب، في أي مجتمع يتمتع بالحد الأدنى من المدنية، أن يبقى على رأس عمله وكل الذين حوله يطالبونه بالرحيل! لا بل يقوم بردة فعل في محاولة للإساءة للمعلمين المستقيلين وتهديدهم، والتلفّظ بعبارات ينعتهم بها لا تليق لا بمربي ولا بمدير! هذا أمرٌ أسوأ بكثير مما يستطيع المرء وصفه بالكلمات.
ولا يستقيم مع القيم والمعايير الإنسانية للمجتمع أو الأفراد، أن يُسقِط أحدهم من حساباته معظم الناس غير آبهٍ بآرائهم ومواقفهم تجاهه، مهما بلغ شأواً عظيماً إلا إذا واصل نفي الواقع الذي بدوره سينفيه، وألا يتدارك الحد الأدنى من توازن الشخصية والحفاظ على ماء الوجه كما أسلفت.
يقول المتنبي:

لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ من الأذى

 
  حتى يُراقُ على جوانبهِ الدمُ

فكيف للمرء ألا يجود ويذود عن حياض كرامته بأقل من ذلك بكثير! وأن يسمح بإهراق ماء وجهه وإراقته على هذا النحو الحزين؟
نختم أيضاً بقول المتنبي من ذات القصيدة:

ومن البليّةِ عذل من لا يرعوي

 
  عن غيّهِ وخطاب من لا يفهمُ

وهيب أيوب
waheeb_ayoub@hotmail.com